كيف تفكر المرأة بالزواج

ما من شك أن عوامل كثيرة تتداخل في فهم ونظرة المرأة للزواج وتشكل لديها تصورا خاصا عن عن شريك العمر وماهية هذا الزوج المنتظر.

من تلك العوامل ما هو مستمد من الثقافة السائدة التي اكتسبتها من محيطها الاسري بالدرجة الاولى حيث تُشكل بالنسبة لها الدعامة الرئيسية والقاعدة الاولى التي تبني عليها جُل نظرتها. إذ يُعد نموذج الاب والام هو النموذج الامثل بالنسبة لها، بغض النظر إن كانت تلك العائلة حقا تستحق أن تُعتبر نموذج يحتدى به أم لا، والدائرة الثانية التي تستمد منها تصورها عن ماهية الزواج هو من مجتمعها المحيط بها وكلما إتسعت دائرة وابعاد هذا المجتمع كلما أضيف إلى فكرها أُفقا جديدة وتصورا جديدا يساهم بشكل أو بأخر ببلورة النظرة حول الزواج. ربما من هنا نجد بعض الفتيات يحدث لديهن تَمرد داخلي (غير محسوس ممن هم حولهم) حول واقع أُسرهم الحالي، فلا يعود نموذج الاب والأم هو النموذج المثالي بالنسبة لهم، اذا ما تم مقارنته بنماذج أخرى في المجتمع المحيط بهم، فقد تصادف الفتاة عائلة من ذلك المحيط تراها مثالية على عكس نظرتها الاولية التي كانت تُنظر لأُسرتها على أنها النموذج الاصح.

الجانب الأخر الذي يؤثر على طريقة تفكير المرأة لرسم ملامح ذلك المستقبل يتعلق بالحس الخيالي لديها الذي يطغى بدوره على كثير من الجوانب العملية، بل ويلعب هذا الامر الدور الاكبر في رسم ملامح شخصية الزوج ونمط الحياة المتوقع، فلا تكتفي الفتاة بالنماذج المشاهدة أمامها، وإنما تنتقي منها الأقرب إلى قلبها وعاطفتها مضيفة إليه من خيالاتها ما يجعله أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة. من هنا ربما نجد تَذمُر بعض الفتيات بعد الزواج من واقعهم الذي لم يتطابق مع نظرتهم السابقة حول الزواج والذي أستند في جزء كبير منه على الخيال الخالي من أية منغصات.

إن حاجة المرأة للزواج كما في الرجل حاجة انسانية طبيعية فطرية، تميل بفطرتها الى الرجل الذي تجد معه حياتها مكتملة، لا يغني والدها أو أخاها أو أي رجل أخر في حياتها عن حاجتها للرجل الزوج. فهو يمثل لها المحطة الاخيرة والاولى بنفس الوقت. معه ينتهي حلمها وخيالها، ومعه تبدأ مشوارا أخر جديدا في حياتها كأثنى وكإنسانة وكزوجة.

تبدأ الفتاة برسم ملامح وشخصية الشاب في وقت مبكر من حياتها، ُجل خيالها يكون هلامي طفولي لا يلامس ارض الواقع لا من قريب ولا من بعيد، تبدأ أولى بوادر التفكير بقليل من العقلانية عند سن البلوغ والذي يقدر بالاعوام من (11 – 15) سنة، وقد يكون في بعض الحالات قبل او بعد بذلك بقليل تلك مرحلة التغيرات الجسدية لديها. في تلك المرحلة تبدأ مراحل التفكر بالطرف الاخر الذي يكون من أحد أسبابه نضوجها الجسدي والعقلي. بعد تلك المرحلة بقليل يحتل إهتمامها بالطرف الاخر الحيز الاكبر من احلامها وخيالها. يتمثل ذلك في الإهتمام أكثر بمظهرها وبمحاولتها للظهور بافضل صورة تجعل منها إنسانة محل تقدير واعجاب الاخرين، بمظهرها وفكرها وسلوكها.

بعض الفتيات يتزوجن في سن مبكرة حتى قبل إكتمال التصور عن علاقة الرجل بالمرأة بل حتى قبل أن تتوسع في أحلامها وتخيلاتها عن الزوج بحد ذاته وكينونته، فما بعد الزواج هو الذي كان مسيطرا على فكرها وحلمها، فالبيت وادارته ورعاية الاطفال كان جل حلمها وطموحها. فالاحلام لديها محدودة ومتواضعة ونظرتها للحياة يغلب عليها الطابع البسيط التقليدي، فهي تنظر الى فوائد الزواج المتمثلة في انشاء بيت وابناء مستقبلا قبل فكرها بماهية وطبيعة وشخصية الرجل الذي سترتبط به، فالنماذج المحدودة التي أمامها من الرجال لم تخرج عن نطاق العائلة المحيطة بها، وعلى الاغلب زواجها كان منسجما مع مستواها البيئي الاجتماعي، الذي ما زالت أثار الماضي بقيمة وتقاليده هي المسيطرة عليه فهي نموذج حاضر ماضي بنفس الوقت. هذه الفئة تعد من الفئات القليلة في زماننا فلم تعد الفتاة في هذا الزمن تتزوج في سن مبكر كما كان في الماضي، وهذه الفئة من النساء يسهل عليهن في احيان كثيرة التأقلم مع الحياة الزوجية الجديدة خصوصا اذا ما كان الزوج مقاربا لها في العمر ومن بيئة مشابهة لبيئتها، حيث انها تتعايش مع الواقع وكافة مستجداته بشكل تلقائي فطري كما ويسهل عليها الاندماج مع الرجل واستيعابه لما للتقارب البيئي والثقافي من تأثير على سلوكهم ونمط حياتهم. وربما استطيع القول أن هذا هو أصل كل النماذج اللاحقة فالنظرة المعقدة والمتشعبة التي تحملها المرأة حاليا عن الزواج في معظمها نظرة دخيلة على الفكر السائد لدى مجتمعنا عما كان عليه سابقا.
ولا أٌبالغ إن قلت هذا النموذج البسيط من النساء هو النموذج الامثل الحقيقي الذي يتطلع له الرجل مهما بلغ من تطور فكري وسلوكي الا انه في احيان كثيرة ونتيجة لتعقيدات الحياة وتشعباتها، ينسى أو يتناسى أنه في حقيقية امره يبحث عن تلك الفئة بالذات.

الفتاة في عمرالعشرين، النموذج الاكثر شيوعا في عصرنا هذا، فقد أصبح العلم شيئا مهما في حياتنا فلم يعد مقبولا لدى العديد من فئات المجتمع التفكير بالزواج قبل ان تنهي الفتاة تحصيلها العلمي، فهو الحصانة لديهن من غدر الزمن، فقد كان سابقا الزواج هو المأمن للفتاة، إلا ان النظرة لدى العديد قد تغيرت واصبح العلم للفتاة هو المأمن وهو مفتاح الأمان لما يستجد من أمور الحياة، في ظاهر القول هذا الامر صحيحا الا ان التعامل معه بشكل خاطئ خلق انحرافا في السلوكيات عوضا عن ان يكون عامل بناء هام في اي علاقة أصبح في كثير من الاحيان سببا في شيوع الفكر المشوه لمقاصد الزواج. 

تنهي الفتاة تحصيلها العلمي في بداية العشرينات من العمر، خلال تلك الفترة كان حصولها على الشهادة يشكل الاهمية القصوى لها، ورغم ان الزواج كان وما زال جزئا هاما في تفكيرها الا انه كان مؤجلا لهذا الغرض، فلا أجدني أذيع سرا إن قلت ان احد الاسباب الخفية لحرصها على التحصيل العلمي ما هو الا وجه من أوجه تحسين الذات لديها لتحظى بالزوج المناسب.

لا أجد عيبا في ذلك، فتحسين الذات والرقي بها هو من صفات الانسان العاقل الحكيم، إلا أن ما يخيب الأمال هو الاصرار على بعثرة الاوليات حيث يصبح البحث عن فرصة عمل للفتاة بعد تخرجها، هو المطلب الاكثر الحالحا مؤجلة بذلك فكرة الارتباط، والتأجيل هنا ليس بمعنى الرفض المطلق بقدر ما هو تأجيل مؤقت غير معلن هدفه الاساسي اثبات الذات بالعمل لتصبح ذات قيمة أكبر في مجتمعها، وبالتاكيد لدى البعض يكون تحسين مستوى المعيشة أحد أهدافها وتطلعاتها.

سلسلة من المراحل تجاوزتها وخاضتها الفتاة من هذه الفئة، فحياة اسرية طبيعية ثم فترة تحصيل علمي ثم مرحلة ما بعد الدراسة والعمل. هذا كله شكل تطورا في فكرها وسلوكها وبالتالي انعكس على طريقة تفكيرها بأمر الزواج نتيجة لتوسيع دائرة معرفتها بالمجتمع الذي تنتمي له، فنظرتها للزواج والزوج ليست كنظرة الفتاة بالنموذج السابق. فهي الان اصبحت اكثر تدقيقا بماهية الرجل وفكره، واصبح الجانب المهني والاجتماعي للرجل (الزوج) يشكل عاملا مهما لديها، وربما لدى البعض اصبحت النظرة للرجل لا ترقى الى المستوى الطبيعي متجاهلة في ذلك الفوارق الطبيعية بين الرجل والمرأة، فهي تراه ندا لها، وهذا بدوره سيجعلها لا تنظر للامور بالمنظار الصحيح فالمفاهيم لديها تغيرت وتبدلت فاذا كان الزوج سابقا له القوامة لما يتحمل من اعباء الانفاق على البيت فهي ترى أنها قد تتحمل نفس العبئ، وإن كان الرجل اكثر دراية وخبرة في شؤون الحياة نتيجة لاحتكاكه بالمجتمع عن قرب فهي لا ترى انها تختلف عنه كثيرا فهي ايضا اصبحت تشاركه نفس الظروف من حيث تواصلها مع المجتمع وما قد يكتسبه الرجل من خبرات نتيجة لهذا الاحتكاك فهي ايضا لا تقل عنه في هذا الجانب بل ربما تتفوق عليه. من هنا اصبحت نظرتها للزواج اكثر تعقيدا ومتطلباتها في شريك المستقبل لم تقتصر على انشاء بيت وتربية الابناء فالحياة في نظرها لا تنتهي عند تلك النقطة، فطموحها ليس له حدود واحلامها تبدأ ولا تنتهي. فنموذج الزوج الذي تطمح اليه لا بد وأن تتوفر به صفات تليق بمكانتها العلمية والعملية. فهي تأمل وتتطلع لبناء أسرة مثالية مميزة تكون محط إعجاب الاخرين ولن يتحقق ذلك إلا مع شريك يشاركها نفس الطموح والأمال، وهذا أيضا ليس كافيا في نظرهاـ إذ لا بد وأن يكون ذلك الشريك الذي يشاركها نفس الأهداف مؤهل علميا وعمليا حتى يحظى بقبولها، فهي ترى بان المستوى "المرموق" الذي وصلت اليه لا يستحق مشاركتها به الا رجل "مرموق".

أما النموذج الاكثر ايجابي من تلك الفئة من النساء، هي التي تَنظر إلى ما حققته من تحصيل علمي وعملي بإعتباره مميزات إيجابية اضافية لما يجب ان تتحلى به الفتاة، فلا ترى بنفسها مكتملة إذا ما أخفقت في حُسن ادارة بيت الزوجية وإدارة شؤونه، فهي بداخلها مدركة أن الأساس في تكوينها كزوجة هو وجوب حسن ادارتها لمنزل الزوجية وما تحقيقها للجوانب العلمية والعملية الا زيادة في ارتقاءها كزوجة نموذجية معتبرة ذلك بمثابة الدعامة لانشاء حياة زوجية مستقرة محتفظة بذلك في حق الرجل بقيادة دفة الحياة لما له من امكانيات خلقها الله به تؤهله لان يشكل مع شريكة العمر حياة زوجيه تُعد نموذجا حضاريا متطورا ينعكس ذلك على ابناءهم مستقبلا وعلى المجتمع بشكل عام. فالعلم والعمل لديها يمثل رقيا حقيقيا في مستوى المعيشة متمسكة بذلك بقيم المجتمع الاصيلة.

العمر من ثلاثون وما فوق، هو العمر الذي تبدأ به الفتاة التي لم تُوَفق في زوج حتى ذلك الحين، بالنظر الى الامر بمنظور مختلف قليلا وأكثر واقعية فلم تعد أحلامها هي نفسها كما كانت سابقا، فهاجس الامومة لديها يشكل عبئا نفسيا اضافيا فهي تحلم بان تكون أما وترى بنفسها نموذجا للام الصالحة، قد يزعجها نظرة المجتمع إليها فتارة ينظرون اليها نظرة تحمل في طياتها بعض الشفقة وتارة اخرى نظرة بها من ملامح الاندهاش والاستغراب وكأنها هي الوحيدة صاحبة القرار بالارتباط، اضف الى ذلك الظرف العائلي لديها فرويدا رويدا ستشعر بالوحدة اكثر مما قبل، فعائلتها الصغيرة المتمثلة في الاب والام والاخوة تبدأ تدريجيا بفقد بريقها لما للحياة من تطورات طبيعية، فقد يرحل أحد والديها او كلاهما عن دنياها، وكل من اخوانها اختار طريقه ليعيش حياة مستقلة فهي تنظر دائما الى ذلك اليوم الذي ستقف به وحيدة من غير شريك ومن غير أبناء. هذا اليوم الذي يزيد من ألمها المخفي، لكن الاحلام والخيال لديها لن يتوقف، رغم ذلك فهي تعيش على ذلك الأمل المنشود وتتطلع الى شريك يعوضها عن سنوات العمر التي مضت، فبعد هذا الصبر كله قد تأتي الايام حاملة لديها ما يسرها من أخبار، لم تعد تدقق كثيرا بماهية الرجل ولا منصبة الاجتماعي والثقافي في كثير من الاحيان، فهي تتطلع الى رجل يحبها وتحبه، ويقدرها حق قدرها، فهي ترى بنفسها مؤهلة وقادرة على انجاح العلاقة الزوجية على عكس مثيلاتها من النساء اللاتي تزوجن في سن مبكرة، فهي الان اكثر نضوجا واكثر فهما للحياة واكثر وعيا لفهم مقاصد الزواج. لا تمانع في أن تبدأ حياتها مع زوج متواضع الامكانيات بل لا تمانع في مساعدته ايضا فمبدأ المشاركة الزوجية اصبح مقبولا لديها. فهي تريد الخلاص من الوحدة ونظرات المجتمع، تريد ان تثبت لنفسها وللاخرين بانها تستحق حياة زوجية طبيعية، قد تُكابر في الافصاح عن ذلك فهي تحتفظ بتلك الأمال في مخيلتها وقد تُظهر عكس ما تُبطن فلا تريد نظرة التعاطف من أحد. رغم هذا كله ورغم شغفها وتطلعها لزوج تكمل معه مشوار حياتها، إلا أنها في لحظة بوادر اقتراب ذلك الشريك ما تلبث أن تستيقض بداخلها تلك الفتاة ذاتها قبل سنوات مضت ويستعيد عقلها من جديد طموحاتها وخيالاتها القديمة التي رسمتها عن فارس أحلامها لتبدأ مجددا في نقده واظهار ميزاته وعيوبه، وسرعان ما تصحو من هفوتها لتلامس ارض الواقع وتنظر نظرة الفتاة الناضجة الواقعية له، ربما في تلك المرحلة أدركت جيدا معنى أن يكون هناك رجلا في حياتها فهو الذي اذا ما التقت به ستكون له زوجة واما وأختا وكل شيء.

المرأة في سن متاخر ... من الصعب تحديد عمر معين لهذه المرأة، لكنها تنظر الى نفسها لو تزوجت في سن مبكر لاصبح الان لديها أبناء على مقاعد الدراسة الجامعية، لم يعد يشغلها الحلم بلقاء شريك الحياة، برود مشاعرها كان نتيجة حتمية لطول الانتظار، هي كالبركان النائم، أشغلت نفسها في ممارسة دور الامومة مع كل الاطفال، تفيض مشاعرها حنانا لكل من يتعامل معها، بل مارست دور الزوجة الصالحة والمرشدة في توجيه نصائحها لمن هم حولها من الزوجات الاقل منها سنا وخبرة. تختلف نظرتها للرجل عن باقي جنسها فهي تنظر له نظرة فيها من العطف الكثير، ربما تتعاطف معه، نظرتها له اصبحت اكثر انسانية فهو اخ واب وجار وزميل عمل. في خضم كل هذا قد يأتي من بعيد بصيص أمل عن رجل يرغبها زوجة ... فَيُشعل بداخلها ذلك البركان النائم، فتتلمس جسدها واحاسيسها فجأة لتتأكد من أنها ما زالت أنثى قادرة على العطاء كزوجة، لا ترى بالرجل سوى قلبه ومشاعره واحاسيسه، يغلب عليها فكرة اسعاده اكثر من اسعاد نفسها، فهي كبيرة حتى في حجم العطاء، فنكرانها لذاتها لا يزيدها إلا قيمة أعلى للمرأة وعطاءها.

قد يُحسن ذلك الرجل التعامل معها، فتصبح في لحظة مراهقة يثير دهشتها ذلك السلوك بداخلها، فتبتعد حتى لا ترى نفسها نفسها، فجأة أصبحت تمارس حياة لطالما حلمت بها، فزوجها لا يطمع بأكثر من حنانها وعطفها، وعلى الاغلب سيجد ما يطمع اليه في شخصها، فهي كالنهر الهادر بلا ضجيج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق